في حدث تاريخي، يؤكد أن المغرب في طريقه نحوَ تكريس هويته القائمة على التنوع والاستيعاب، قام الملك محمد السادس، في 3 ماي من السنة الجارية، بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.
قرار جاء تجسيدا للعناية التي يوليها الملك للأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية.
وتلقى المغاربة القرارَ بترحاب كبير، باعتبار الأمازيغية قضية تهم الجميع، لأنها رصيد وطني مشترك يثري التعدد في الوحدة، ويعزز الفكر والثقافة الوطنيين وكذا مقومات الانفتاح على قيم الحضارة الإنسانية.
تلقت كل الأحزاب السياسية القرار التاريخي بكل اعتزاز وقامت بتثمينه باعتباره لا يشكل فقط خطوة في مسار تفعيل الدستور وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، "بل دليلا عمليا لتجسيد ثراء الهوية الوطنية وما يؤهلها للعطاء والإسهام بنصيبها من الرأسمال المادي واللامادي في التنمية الشاملة والمستدامة".
تعتبر الأحزاب أن هذه المبادرة تعد بمثابة استمرار للنهج الملكي الرشيد المتعلق بالاعتراف بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية، وهو النهج الذي أسس له الخطاب الملكي التاريخي بأجدير يوم 17 أكتوبر 2001.
وتدعو الهيئات المدنية والجمعوية إلى العمل على تسريع وتيرة تفعيل مختلف القطاعات الحكومية والمؤسسات الرسمية لمقتضيات القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.
كما وصفت مكونات الحركة الأمازيغية في المغرب بالقرار "التاريخي" الذي يتجاوب مع مطالب مناضلي القضية الأمازيغية.
وتدعو جميعَ الفعاليات المدنية والرسمية إلى العمل سويا من أجل إدراج طرق الاحتفال المختلفة برأس السنة الأمازيغية كتراث وموروث ثقافي عالمي غير مادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو".
جبهة العمل الأمازيغي، أعربت، في هذا الصدد، عبرَ بلاغ صدر عن مكتبها الوطني، عن شكرها للملك محمد السادس الذي ما فتئ يحيط الأمازيغية برعايته منذ اعتلائه العرش عبر خطاب أجدير التاريخي.
ونوهت الجبهة في هذا الصدد بإصرار الملك المتواصل على تحصين الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وطنية باعتبارها رصيدا مشتركا لكل المغاربة.
تقول الناشطة الأمازيغية والمستشارة المكلفة بالملف الأمازيغي في ديوان رئاسة الحكومة، أمينة بن الشيخ، إن قرار اعتماد رأس السنة الأمازيغية "هو امتداد للمبادرات الملكية التي تولي عناية خاصة باللغة الأمازيغية والتي تشكل أحد مكونات الهوية المغربية"، مضيفة أن المبادرات الملكية انطلقت منذ سنة 2001 في الخطاب الملكي بأجدير، وبعدها تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ثم الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية في دستور 2011.
وتعتبر المتحدثة، أن القرار الملكي جاء للتأكيد على أن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مختلف المجالات يسير في الطريق الصحيح، وهو بالتالي يمنح دفعة للحركة الأمازيغية من أجل الاستمرار في النضال من أجل تحقيق مكاسب أخرى.
كما يرى المنسق الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، بوبكر أونغير، أن القرار الملكي هو قرار "تاريخي وحكيم" ينسجم مع روح الدستور المغربي الذي يعكس تنوع الثقافة المغربية بجميع مكوناتها، موردا أن هذا القرار يكتسي دلالة رمزية بالغة، ويعتبر رسالة واضحة تؤكد استمرار العاهل المغربي في النهج الإصلاحي الذي تبناه منذ اعتلائه العرش.
ويدعو الناشط الأمازيغي إلى تضافر جهود جميع القوى السياسية والمدنية لإنجاح مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والإسراع بتنزيل القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية وإدماجها في مختلف مجالات الحياة.
هي، إذن، ردود فعل مرحبة بقرار ملكي يأبى إلى أن يواصل وضعَ المملكة على سكة التنوع والثراء، في مغربٍ جديد رسخ معالمه الملك منذ جلوسه على العرش قبل 24 سنة.